دير مار موسى الحبشي

عندما تضع قدمك على أولى درجات
دير مار موسى الحبشي وتقرأ عبارة “من هنا الزيارة روحية ،شكراً على التزامك الصمت” يتبادر فوراً إلى ذهنك تاريخ هذا المكان ومن كان فيه وعظمة من شيده .فماذا نعرف عن دير مار موسى الحبشي او دير البرية !
الموقع
في واد وعر من وديان سلسلة جبال "القلمون"، وبارتفاع بمقدار /1320/م عن سطح البحر، وببعد مسافة ثمانين كيلومتراً عن "دمشق" باتجاه الشمال الشرقي، وعن مدينة "النبك" حوالي /15/ كيلومتراً باتجاه الشرق عن طريق "العرقوب وبتسلق "339" نصل الى وجهتنا دير مار موسى الحبشي او دير البرية
قصة و تاريخ الدير
يروى أنّ أميراً حبشياً ترك بلاط أبيه الملك وانطلق ليعيش الحياة الرهبانيّة. فجاء إلى مصر، وتدرّب على يد نسّاك صحراء الإسقيط في صحراء مصر. بعد ذلك انطلق إلى فلسطين ومنها إلى سورية، حيث حطّ رحاله في دير مار يعقوب المقطّع الواقع في بلدة قارة. ومن هناك، انتقل إلى المقرّ الدير الحالي. فتنسّك في إحدى مغره، إلى أن مات شهيدًا أيّام النزاعات الّتي تلت المجمع الخلقدوني.
يربط البطريرك مار زكا الأوّل عيواص، بطريرك الكنيسة السريانيّة الارثوذكسيّة، استشهاد مار موسى بعودة الإمبراطور البيزنطي هرقل إلى سورية بعد أن انتصر على الفرس (628):”وعرج على الدير الواقع في الجبل المسمّى المدخّن وقتل العديد من رهبانه ومن جملتهم الأب موسى الحبشيّ، فتشتّت الآخرون لرفضهم المذهب الخلقدونيّ (مجلة البطريركيّة، العدد 32، دمشق 1984، 83-95). ويُقال: إنّ أهله نقلوا جثمانه إلى بلده تاركين إبهام يده اليمنى ذخيرة لسكّان المنطقة وتلاميذه.
تدل الكتابات العربية على جدران الدير على أن بناء الكنيسة الحالية يعود إلى سنة /450/ للهجرة، أي إلى السنة /1058/ للميلاد،
في القرن الخامس عشر، أعيد ترميم الدير وأضيف قسم جديد عليه، واستمرت الحياة الرهبانية فيه حتى عام /1831/م، حيث هجر آخر رهبان الدير المكان، وتُرك فارغاً فحوله الرعاة إلى ملجأ لهم ولمواشيهم، وعلى الرّغم من خلو الدير من سكانه، ظل أهالي مدينة "النبك" يزورونه بتقوى وورع، وبقي الدير وقفاً كنسياً لمطرانية "حمص" و"حماة" و"النبك" للسريان الكاثوليك».
في صيف العام 1984 ، بوشرت عمليات ترميم الدير بتعاون مشترك بين المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية ورعيّة النبك للسريان الكاثوليك بهمّة الأب باولو دالوليو اليسوعي، وبعض الطلاب الإكليريكين في دير سيدة النجاة ـ الشرفة منهم: جهاد بطّاح، جوزيف شمعي، بسام زازا، شارل مراد وجاك مراد مع حفظ الألقاب لأن أغلبهم تابع حياته الإكليركيّة ولو لم يستمروا بالدير، باستثناء جاك مراد.
أمّا الحياة الرهبانية في الدير فقد بدأت عام 1991 مع الأب باولو والراهب جاك مراد. تتألف اليوم من عشرة رهبان وراهبات من طوائف مسيحيّة متنوّعة وبلدان متعدّدة، ملتزمين بحياة الصلاة والعمل اليدويّ في الزراعة واستقبال الزوّار وإرشادهم روحيًا. وتسعى الجماعة إلى تنميّة التفاهم والوئام الإسلامي المسيحيّ.
تتبع الجماعة الرهبانيّة ليتورجيا الطقس السريانيّ الأنطاكي، وهو الطقس الأصليّ للدير. والدير قانونيّا يقع تحت رعاية مطران حمص وحماه والنبك للسريان الكاثوليك.
اذن من هو مار موسى
عثر في مخطوطٍ بمنطقة صدد على ملاحظةٍ دوّنت في العام 1563، بيد اثناسيوس، مطران حماه آنذاك. وفيها ورد لأوّل ذكر لدير مار موسى “الحبشي”. فإلى أيّ موسى نُسبَ الدير أصلاً؟
هناك عدة احتمالات في هذا الصدّد
الاحتمال الأوّل، أسّس الدير باسم موسى النبيّ، كما هو واضح في الكتابة المنقوشة على الجدار الشرقي داخل الكنيسة. لكن هذا الاحتمال يتناقض مع كتابةٍ أخرى على الجدار الغربيّ لكنيسة الدير، وفي التاريخ نفسه، وهي تقول:
“بسم الله الرحمن الرحيم هذه الكنيسة المباركة على اسم السيدة والقديس مرموشا حبس…ور الينا غفر الله له و…آمين سنة خمسين وأربعة ماية”.
الاحتمال الثاني، أنّ قصّة موسى ابن الملك رواية ليست قديمة العهد، وأنّ الدير سميّ على اسم موسى الحبشي، اللص المصري الذي ترهّب في صحراء الاسقيط في القرن الرابع للميلاد.
على الاغلب أن الدير تأسّس باسم النبيّ الكليم، ثمّ حافظ الرهبان والشعب على سيرة رجل قديس، استشهد بذلك المكان في بدايات تاريخ الدير، ولعلّ اسمه الرهباني كان موسى. وسيرته مرتبطة برواية تأسيس الدير. أمّا لقب حبشي، فلا مانع من قبول افتراض من قال إنّه أضيف عند قدوم الرهبان “الحبشيّين” من لبنان.
كنيسة الدير
لدير مار موسى الحبشي كنيسة جميلة يعلو بابها صلبانٌا دوارنية منقوشة ومن هذا الباب نصل إلى رواق الكنيسة الجنوبي ، فالبناء يحتوي على ثلاثة أروقة تمتد من الغرب إلى الشرق ، ويرتفع الرواق الأوسط منتيهاً شرقاً بمحراب كبير تتوجه نصف قبة تهلوها نافذة كبيرة ، كما الربع الشرقي من الرواق الأوسط حاجز من الخشب والحجر يرتفع عن مستوى أرض الكنيسة بمقدار ثلاث درجات ،يفصل قدس الأقداس أو الهيكل عن صحن الكنيسة .
يعود بناء الكنيسة إلى منتصف القرن الحادي عشر، تثبت ذلك بعض النقوش الموجودة على الجدران ويعود نقش الصلبان على الأعمدة والجدران إلى التاريخ نفسه وتمثل غاليبيتها صليب النور ، زينت جدران الكنيسة صور من نمط الفريسكو ، ورُسمت فوق بعضها البعض في ثلاث طبقات ،هناك كتابة تبين لنا تاريخ الرسم ، تعود إلى السنة 1058-1095م وتقول الكتابة ” خلص المصور يوم الاحد في رأس تموز سنة 488م .
على الجدار الشمالي الخارجي من حاجز الهيكل جهة صحن الكنيسة نرى أشكالاً هندسية مع مربعات بيضاء اللون ربما تمثل هذه الصورة خيمة العهد وحجاب قدس الأقداس ، وهناك صورة أخرى قد تمثل إيليا النبي صاعداً إلى السماء بمركبةٍ ناريه وبيمينه يُعطي رداءه إلى تلميذه اليشاع النبي .
أما الطبقة الثانية من الرسومات فيعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر وإبرز ما ظهر منها هو مشهد معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان إلى جانبه نجد صور سمعان العامودي ،تتميز رسومات الطبقة الثانية برهافة الحس الفني الروحاني وبالأسلوب المتبع فيعكس تأثير تطور الفن البيزنطي في المنطقة .
الطبقة الثالثة من الرسومات يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر فنجد بادئ الأمر كتابةً باللغة العربية تم كتابتها في العام 1504 يوناني أي سنة 1216م ،تتميز الطبقة الثالثة من الرسومات بالطابع السرياني الأصيل وبالكتابات السريانية وبالبساطة في الألوان أيضاً .
تزين حوائط كنيسة مار موسى الحبشي صورٌ وجداريات ذات المعنى اللاهوتي الواضح منها مثلاً صورة الشارة التي يظهر فيها شروق الشمس المشير على أن المسيح ، شمس البر ، كما نلاحظ رسماً للرب يسوع المسيح الضابط الكل ، وصور الرسل منهم بطرس وبولس وصورة الإنجيليين الأربعة متى ، مرقس ، يوحنا ، لوقا .
من اللواحات البارزة في الدير لوحة الدينونة ؛حيث نرى المسيح الديان مرسوماً في أعلى اللوحة مقابل لوحة البشارة ، كما يظهر في اللوحة المسيح وهو يسلم بطرس المسيح وعن يساره بولس الرسول ،ويظهر في الصورة مذبح عليه صليب في وسطه إكليل شوك .
مكتبة الدير
تحوي المكتبة على كنوز وكتابات تراثية ،وهي ضخمة تضم العديد من المخطوطات والكتب النادرة ، والنفيسة الوجود ويعود الغنى في المراجع إلى وجود الرهبان والمتعبدين الذين سلكوا طريق الرهبنة والتعبد في قلب دير مار موسى هؤلاء الرهبان عملوا بكل همة ونشاط على نسخ وتأليف كل ماهو غالي ونفيس فأغنوا مكتبة الدير والكنيسة بالكتب الثمنية
كما جعلوا أيضا من مكتبة الدير مكتبة زاخرة بالمخطوطات العربية والسريانية منها الدينية ومنها التاريخية، ولكن توزعت المخطوطات في أماكن متعددة من العالم وتعرضت أيضاً للسلب والنهب ومن قبل الغزاة .
من أبزر المخططات التي يمكن أن نأتي على ذكرها مخطوط لإنجيل نفيس مكتوب بالخط الاسطرنجيلي المنمق وهو مخطوط على رق الغزال حالياً المخطوطة توجد في دير الشرفة – لبنان وما قيل عن هذه المخطوطة ، أن عرب العنزة قاموا بسرقتها من دير مار موسى الحبشي مع غيرها من مخطوطات إلى مدينة حلب ، وهناك إشتراها منهم المطران يوسف بهنام سنة 1881م وأوقفها لمكتبة دير الشرفة .
مخطوطة أخرى توجد اليوم في صدر المتحف البرايطاني تحت رقم 585 وعدد صفحاتها 468، هذا إضافة لمخطوطات تشمل مقاطع ليتورجيا خاصة لصلوات الإحتفالية في أيام الأعياد والمناسبات ومن أبرزها مخطوطة خاصة بالصوم الأربعيني وتوجد اليوم في مكتبة باريس تحت رقم 159 ،وأخرى توجد في إكسفورد يعود تاريخ كتابتها إلى العام 1625م ، كما توجد آلاف المخطوطات النفيسة المتعلقة بتاريخ الكنيسة وسير القديسين المحفوظة في خزانة مكتبة دير الشرفة للسريان الكاثوليك لبنان ، خزانة بطريركية السريان الارثوذكس –دمشق .
#دمشق #أميلا #سوريا #حقائق #تاريخ #مقال_مدونة #توعية_سياحية #دير_موسى_الحبشي #سياحة #Damascus #Amela #Syria #Facts #Article #Blog #Tourism #Awareness #monastery

تعليقات

المشاركات الشائعة